النظام المعجز المخلوق لحياة جديدة :
لا يمكن للإنسان المحافظة على حياته على وجه هذه الأرض إلا بعمل دقيق لنظام التناسل . ولأنظمة التناسل الموجودة في جسم المرأة وفي جسم الرجل آليات مختلفة في العمل، غير أن هذه الآليات المختلفة يكمل بعضها بعضاً بتناسق وبدقة ؟ أي أنها تعمل ضمن إطار نظام متكامل، وفي النتيجة يأتي مخلوق جديد إلى الدنيا . أي أن تكوين الإنسان وإخراجه من إنسانين مختلفين ومن جسدين مختلفين ومن جوهرين مختلفين يعد من أعظم المعجزات المتحققة .. وهي معجزة خلق الإنسان .
ولكي تتحقق هذه المعجزة فإن التحضيرات اللازمة والضرورية تكون قد بدأت في جسم الإنسان قبل سنوات عديدة، لذا كان لا بد أولاً من تحول الخلايا التناسلية في جسم الرجل وفي جسم المرأة إلى طور فعال . وتستكمل هذه الفعاليات عند كل إنسان فيما يعرف ب" طور البلوغ " ولا شك أن النظام الهرموني هو أهم عنصر في تأمين الاتصال بين الخلايا، وهذا النظام يقع تحت إشراف وسيطرة الدماغ .
لقد جعل الله تعالى جميع أنشطة وفعاليات النمو والتطوير في جسم الإنسان تحت نظم يسيطر عليها الدماغ،
فالدماغ يقيم جميع الرسائل الآتية من مختلف أعضاء الجسم ثم يرسل أنسب الأجوبة وبأقصر وقت إلى الأماكن المناسبة،
وهو يستخدم النظام الهرموني كوسيلة في التخابر وفي الاتصال .
لقد خلق الله تعالى نظاماً وشبكة بريدية في غاية الروعة وتقوم جزيئات الهرمونات بوظيفة ساعي البريد، فكما يقوم ساعي البريد بالتجول في جميع أنحاء المدينة ناقلاً الرسائل إلى الأماكن المطلوبة، كذلك تقوم الهرمونات بنقل الأوامر الصادرة من الدماغ إلى الخلايا ذات العلاقة . وهكذا تتم في الجسم جميع الفعاليات الضرورية لحياة الإنسان .
ولكن يجب ألا ننسى هنا أن الهرمونات لا تملك وعياً كما يملكه الإنسان، ولا تملك شعوراً ولا إدراكاً لكي تقوم بتعين الاتجاهات ومعرفة ما تحمله ولمن تحمله، فهي لم تتلق أي تدريب في هذا المجال ولم تملك هذه القابلية بعد سنوات من المران ومن التجارب .
فالهرمونات ( التي نطلق عليها اسم " سعاة البريد " عبارة عن جزيئات معقدة جداً لا يمكن شرحها إلا بمعادلات ورموز كيميائية معقدة .
إن قيام جزيء الهرمون بمعرفة ما تحمله من رسائل وإلى أي خلية تحملها، ومواصلة سيرها في الظلام الدامس للجسم (الذي يكبرها بمليارات المرات ) دون أن تضل طريقها،
ثم قيامها بتنفيذ هذه الوظيفة على أحسن وجه ودون أي قصور، هذا كله عمل خارق ومعجزة مدهشة . ويكفي هذا المثال فقط لمعرفة مدى كمال وروعة الأنظمة التي أودعها الله تعالى في جسم الإنسان .
تبدأ فعاليات هذا النظام الهرموني في العادة لدى الإنسان وهو لا يزال جنيناً في رحم أمه، وتستمر حتى لحظة وفاته . والغدد التناسلية هي من الأعضاء التي تشرع في إبداء الفعاليات نتيجة تأثير الهرمونات . غير أن إفرازات الهرمونات المتعلقة بالغدد التناسلية تبدأ عند مرحلة البلوغ، وذلك خلافاً للهرمونات الأخرى . وعند مرحلة البلوغ يبدأ " الهايبوثولاموس " ويدعى بالعربية " ما تحت السرير البصري " الموجود في الدماغ ( والذي يعد مدير النظام الهرموني ) بإرسال الأوامر إلى الغدد النخامية ( وهي من الغدد المرتبطة به ) لكي تصدر أوامرها المحفزة للأعضاء التناسلية