هناك فرق كبير بين نشأة طفل تم منحه حرية في اتخاذ بعض القرارات التي تخصه وتم تفهم أسباب اتخاذه لها وبين آخر لم يمنحه والداه هذه الفرصة وكانا يسيرانه ولا يخيرانه، فبدءاً من السن الثالثة من عمر الطفل نحتاج إلى جرعات تربوية وتعليمية للطفل ندربه من خلالها على اتخاذ القرارات التي تخصه وتحمل نتائجها مع مساعدتنا له في توضيح الأمر الذي هو بصدده كي يكون قراره صائباً، وبغض النظر عن النتيجة التي توصل إليها الطفل عند اتخاذه للقرار أكانت سلبية أو إيجابية فنحن نهدف بذلك إلى توعيته وتنمية مهاراته بأن قرارك هو مسؤوليتك وأنت من يتحمل نتائجه فإن كان القرار صائباً فأنت من سيحصد النتيجة وإن كان خاطئاً فأنت من سيتحمل النتيجة.
تخيلوا معي الموقف التالي:
دخلت أم مع ابنيها الأول في الرابعة والثاني في الخامسة من العمر لمحل الحلويات وأبلغتهم أن لكل واحد منهم حرية اختيار لقطعة حلوى مع عصير، فاختار الأول شيئاً مغايرا لما اختار الآخر، وعند عودتهم للمنزل اكتشف الأول أنه انبهر بغلاف الحلوى التي اختارها بينما أن الطعم في الداخل كان مختلفا وأن العصير الذي اختاره حامض بالمقارنة مع الذي اختاره شقيقه، بينما الطفل الثاني اكتفى بأن يختار الخيار الذي يعرفه وجربه سابقاً، في هذه الحالة قد يتذمر الطفل الأول وقد يغضب وقد ينازع أخاه في نصيبه وقد يصل الأمر به إلى البكاء، فهنا يأتي دور الأم بأن توضح له بأن هذا هو اختيارك وأنك المسؤول عنه، وأنك قد تكون أخطأت فيجب أن تتعلم من هذا الخطأ في المرة الأخرى، فما رأيكم في حال أن تكرر المشهد مرة أخرى هل سيعاود الطفل الأول نفس الاختيار أم سيفكر بطريقة مختلفة؟
هذا تمرين بسيط لتنمية قدرة الأطفال لاتخاذ القرار وتحمل نتائج الاختيار وبالتأكيد جميعنا نواجه مع أبنائنا مثل هذه المواقف ولكن المطلوب أن نقوم بتقنين الموقف ونحوله من موقف حياتي متكرر إلى تمرين نوجه به أبناءنا إلى حسن اتخاذ القرار والتفكير قبل الاختيار وتحمل النتائج من خلال مواقف مشابهة لموقف الحلوى السابق أو أكبر منها تبعاً لسن الطفل ومدى إدراكه واستيعابه للموقف، هذا من جهة ومن جهة أخرى لا ننسى أنه في حال تم إخضاع الطفل لتمرين معين في اتخاذ القرار (أعني قرارا أكبر من موقف اختيار الحلوى) وكانت النتيجة ممتازة وأنه أحسن الاختيار أن نعلن للعائلة هذا النجاح ونفاخر بطفلنا وبإنجازه وهذا بهدف تشجيعه والتمهيد للتمرين القادم، فلهذا التشجيع أثره البالغ في بناء ثقته بنفسه وعدم التردد والإقدام وهذا هو الهدف الذي نود الوصول إليه.
إن طفلك عندما يجد الدعم والتشجيع تزداد ثقته بنفسه وتزداد إبداعاته وطموحاته مع من حوله سواء أكانوا أطفالاً أو مدرسين أو غيرهم، وقد لا يقف عند رغبته المتكررة في اتخاذ القرار فيما يخصه بل قد يتعدى إلى فضوله في إبداء رأيه لمواقف كثيرة تخص غيره فلا تنزعجوا أيها الأبوان فهي ظاهرة صحية ولكن بحاجة إلى تقويم.