الملك فيصل: الشهيد الفريد
بطلاً من الأساطير أو أميراً من القصص والحواديت ....وربما أعتبره في زمن التابعين والأمراء المسلمين
طويل القامة مرفوع الهامة له عينان جميلتان تشعان دفئا وذكاء .... وله أنف حاد يشير إلي الصرامة والقوة ... أمير في زمن يتطاول فيه الحفاة العراة وملك كما يصفونه في قواميس الكمال
الفيصل ... أو
الملك فيصل بن عبد العزيز آلِ سعود . .... ولد عام ستة وتسعمائة وألف من الميلاد يوم انتصار أبيه في أحد المعارك لتوحيد شبه الجزيرة وتربى فارساً أميراً ...غير مدلل أو مرفه .فأتقن الفروسية وفنون القتال ..وأتم حفظ القرآن قبل أن يكتمل له ثلاث عشرعاما وحين أتمها اشترك في الجيش تحت قيادة والده وبعد ذلك بثلاث سنوات قاد حصارًا لمدة ثلاثة أشهر حول "حائل" حتى استسلمت، ثم وهو ابن عشرين عامًا قاد جيشًا لقمع تمرد بعض القبائل العربية اليمنية، وأراد –وكان يملك القوة والقدرة- اقتحام مدينة صنعاء، ولكن والده وافق على الصلح، وهدد الشاب والده بالانتحار إن وافق على هذا الصلح، وكان رد والده "يحزنني أن أفقد ولدًا من أولادي، ولكن الحياة علمتني أن تسامح الأخ مع أخيه هو أكبر قيمةً من انتصار المدافع والسيوف"، وخضع الأمير الشاب،
وكان درسًا صنع من الشاب رجلاً جديدًا.رجلاً يعرف قيمة العلاقات وماهية السياسة, ودفع الوالد بابنه إلى العمل بالخارجية، ليرى ويتعلم كيف تسير أمور العالم.
وفى لندن حين دخل الفارس العربي متقلدا عباءته البيضاء وعلى رأسه هذا الغطاء الأبيض الناعم الذي يتوج ملامحه القوية .... إلي أول اجتماع له مع مسئول إنجليزي تصفحه اللورد كرزون من رأسه إلي أخمص قدميه ....و تنازعته مشاعر مختلفة بين الإهانة لإرسال سفير صغير السن إلي السخرية من هذا العربي الذي يجرجر ثيابا كثيرة ولكن آداب السياسة جعلته يستقبل الأمير في صالونه ويسارع بواجب الضيافة فيقدم الحلوى للطفل القادم من الصحراء ..فما كان من الفارس إلا أن غادر غير معتذر وبكبرياء الجبال وإباء الملوك استقل أول طائرة إلي باريس ... مما أربك السلطات البريطانية وحارت وألحت في تقديم اعتذارها للأمير الشاب الذي أثبت أن العربي لا يرضى الضيم و لا يعطى الدنية في دينه أبدا.
حين توفى والده انتظره العرش ليصلح حال البلاد والرعية ولكن تولى أخوة الأكبر الملك سعود وتم تعيينه وليا للعهد وعلى غير العادة رئيسا لمجلس الوزراء أيضا وحاول فيصل الإصلاح ما استطاع ولكن ظل تدخل الملك حائلا دون إتمام المهمة ..وقد رفض عزل أخيه وتولِّى الحكم بدلا منه عام ثمانية وخمسين وتسعمائة وألف من الميلاد ولكنه رضخ بعد تدهور الحال والأحوال وأصبح ملكا على السعودية عام أربعة وستين وتسعمائة وألف من الميلاد .
في أول لقاء له بمجلس الحكم لم يستطع أن يقبل فكرة تقبيل يده، فجذبها من أحد الأمراء بشدة وتعجب الرجل وظن أن خطأً ما قد بدر منه ..والتفت إلى كاتبه قائلا : ليكن أول مرسوم ملكي يقضي بإلغاء بروتوكول تقبيل يد الملك من نظام المراسم السعودية ...
في قصص ألف ليلة وليلة وأساطير الشرق يظهر العبيد كجزء طبيعي من نسيج الرواية ولكن حتى منتصف الستينيات من القرن العشرين كان الرق نظاما له وجوده في الحجاز فما كان من الفيصل - استكمالا لأهم محور في الإصلاح الداخلي, و بناء الكرامة الإنسانية لكل إنسان على أرض السعودية - إلا أن أعتق كافة العبيد ومنحهم الجنسية السعودية، وقام بتقديم تعويضات لكافة المتضررين من هذا الإلغاء بلغت ستين مليون ريال
هل نستفيض في ذكر إنجازاته المعجزة .... من ثلاث مئة ريال وسبع عشرة هي كل الحصيلة الموجودة في خزانة الدولة إلي اثنين وعشرين ملياراً وثماني مئة وعشرة ملايين ريال عند وفاته
ألا يذكرنا ذلك ب..... سيدنا عمر بن العزيز الذي فاض بيت المال في عهده حتى لم تجد الزكاة من يأخذها ..حتى أصبح للحيوانات دارا للمسنين .... أظن ذلك, خاصة إذا عرفنا أن كليهما استشهدا اغتيالا .... فقد استعمل الملك الأبي سلاح البترول لأول مرة ضد الغرب وأمريكا في حرب العاشر من رمضان وقال بكل بساطة وقطع للرئيس الأمريكي : "حضرة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.. هل ترى هذه الأشجار.. لقد عاش آبائي وأجدادي مئات السنين على ثمارها، ونحن مستعدون أن نعود للخيام ونعيش مثلهم، ونستغني عن البترول، إذا استمر الأقوياء وأنتم في طليعتهم في مساعدة عدونا علينا"…
فلقي الملك العربي الكريم الأصيل الفيصل ربه سنة خمس وسبعين وتسعمائة وألف من الميلاد بعد أن أطلق عليه أمير مختل مخمور مأجور عدة رصاصات أودت بحياته .